تأملات حسن الجريتلي في ورشة جاك سيرون

عندما شاهد جاك سيرون ليلة من “ليالي الورشة” بما فيها من تنوع وزخم، عبر عن إعجابه، وأخبرني أنه أخرج فيلما بعنوان “ألف قاهرة وقاهرة”. ولما أبديت رغبتي في مشاهدته، وجدته مترددا للغاية، وأدركت بعدها أن وقته، الذي تحكمه ساعة ال”رولكس” السويسرية، كان يقاوم وقتي الذي إفترض هو أن ما يحكمه هو تعبير “إن شاء الله”. فقد عاش جاك في القاهرة تجارب سيئة فيما يتعلق باحترام المواعيد. وعندما وصلت في ميعادي وشاهدت الفيلم، اكتشفت علاقة قرابة بين معالجته الغنية بآلاف التفاصيل الجزئية كالفسيفساء وبين معالجتنا لتلك المدينة التي نعشقها بقدر ما نكرهها، من خلال”پزل” مسرحي في عرضنا “حلاوة الدنيا” (٢٠٠٣). واتفقنا على معاودة اللقاء. والتقينا لنناقش فرص التبادل المستقبلية حيث اقترح جاك أن يكون تعاوننا حول إنتاج عرض لا فيلم، ووافقت على ذلك.
وخلال شهر فبراير الماضي تم بيننا لقاء عمل لمدة أسبوعين، قضينا منهم ستة أيام في الأقصر بين نقاش وقراءة. واستمر اللقاء في مرحلته الثانية في القاهرة بين نقاشات وتجارب عملية مع بعض أعضاء “فرقة الورشة”. وقد كان الموضوع الذي خيم على نقاشاتنا لمدة أسبوع في قرية القرنة على البر الغربي في الأقصر، هو موضوع سوء التفاهم بين الثقافات وانتشار العنصرية. ولكن لعل الموسيقى، التي يأتينا منها جاك، هي المجال الذي يمكن للشرق والغرب أن يلتقيان فيه، على نقيض ما ارتآه الشاعر البريطاني كيبلنج من أنهما لن يلتقيان أبدا. وكانت لي رغبة في إضافة “منطق” الموسيقى، بتجريده وبتعدديته الممكنة، إلى مصادر “فرقة الورشة” الكثيرة. وليكن جاك دليلنا في هذه الرحلة الإستكشافية.
وقد بدأت الزيارة الثانية بإعطاء جاك عدة أيام ليهبط فيها من” فوضى” جنيف، كما يراها، إلى فوضى القاهرة المختلف، ولتبادل الحديث حول الورشة القادمة والعروض البيانية في نهايتها. ثم عمل جاك مع فناني الورشة في مقرها لمدة ١٠ أيام من يوم ٢٩ أكتوبر، ونظمنا عرضين أيام ٨ و ٩ نوفمبر.
نحن نتطلع بشغف إلى الاستمرار في استكشاف قدرة الموسيقى اللامتناهية على الإيحاء مع جاك سيرون في مارس القادم ٢٠١٧. فجاك مثلنا من مريدي شهرزاد الذين يفهمون أن التواصل هو القيمة العليا اللازمة لبقائنا، وأن الوسيلة المثلى للتواصل هي أن نستمر في تبادل حكاياتنا في مواجهة القهر والموت.
حسن الجريتلي
٣٠ نوفمبر ٢٠١٦